فصل: تفسير الآيات (4- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (4- 12):

{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}
{إن الإبرار يَشْربونَ} في الأبرار قولان:
أحدهما: أنهم الصادقون، قاله الكلبي.
الثاني: المطيعون، قاله مقاتل.
وفيما سُمّوا أبراراً ثلاثة أقاويل:
أحدها: سمّوا بذلك لأنهم برّوا الآباء والأبناء، قاله ابن عمر.
الثاني: لأنهم كفوا الأذى، قاله الحسن.
الثالث: لأنهم يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، قاله قتادة.
وقوله {مِن كأسٍ} يعني الخمر، قال الضحاك: كل كأس في القرآن فإنما عنى به الخمر.
وفي وقوله {كان مِزاجها كافوراً} قولان:
أحدهما: أن كافوراً عين في الجنة اسمها كافور، قاله الكلبي.
الثاني: أنه الكافور من الطيب فعلى هذا في المقصود منه في مزاج الكأس به ثلاثة أقاويل:
أحدها: برده، قال الحسن: ببرد الكافور وطعم الزنجبيل.
الثاني: بريحه، قاله قتادة: مزج بالكافور وختم بالمسك.
الثالث: طعمه، قال السدي: كأن طعمه طعم الكافور.
{عَينْاً يَشْرَبُ بها عبادُ اللَّهِ} يعني أولياء اللَّه، لأن الكافر لا يشرب منها شيئاً وإن كان من عباد الله، وفيه وجهان:
أحدهما: ينتفع بها عباد الله، قاله الفراء.
الثاني: يشربها عباد الله.
قال مقاتل: هي التسنيم، وهي أشرف شراب لاجنة، يشرب بها المقربون صِرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل.
{يُفَجِّرونَها تفْجيراً} فيه وجهان:
أحدهما: يقودونها إلى حيث شاءوا من الجنة، قاله مجاهد.
الثاني: يمزجونها بما شاءوا، قاله مقاتل.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن يستخرجوه من حيث شاءوا من الجنة.
وفي قوله {تفجيراً} وجهان:
أحدهما: أنه مصدر قصد به التكثير.
الثاني: أنهم يفجرونه من تلك العيون عيوناً لتكون أمتع وأوسع.
{يُوفُونَ بالنّذْرِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يوفون بما افترض الله عليهم من عبادته، قاله قتادة.
الثاني: يوفون بما عقدوه على أنفسهم من حق الله، قاله مجاهد.
الثالث: يوفون بالعهد لمن عاهدوه، قاله الكلبي.
الرابع: يوفون بالإيمان إذا حلفوا بها، قاله مقاتل.
ويحتمل خامساً: أنهم يوفون بما أُنذِروا به من وعيده.
{ويَخافون يوْماً كان شَرُّه مُسْتَطيراً} قال الكلبي عذاب يوم كان شره مستطيراً، وفيه وجهان:
أحدهما: فاشياً، قاله ابن عباس والأخفش.
الثاني: ممتداً، قاله الفراء، ومنه قول الأعشى:
فبانتْ وقد أَوْرَثَتْ في الفؤادِ ** صَدْعاً على نأيها مُستطيرا

أي ممتداً.
ويحتمل وجهاً ثالثاً يعني سريعاً.
{ويُطْعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على حب الطعام، قاله مقاتل.
الثاني: على شهوته، قاله الكلبي.
الثالث: على قلته، قاله قطرب.
{مسكيناً ويتيماً وأسيراً} في الأسير ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه المسجون المسلم، قاله مجاهد.
الثاني: أنه العبد، قاله عكرمة.
الثالث: أسير المشركين، قاله الحسن وسعيد بن جبير.
قال سعيد بن جبير: ثم نسخ أسير المشركين بالسيف، وقال غيره بل هو ثابت الحكم في الأسير بإطعامه، إلا أن يرى الإمام قتله.
ويحتمل وجهاً رابعاً: أن يريد بالأسير الناقص العقل، لأنه في أسر خبله وجنونه، وإن أسر المشركين انتقام يقف على رأي الإمام وهذا بر وإحسان.
{إنّما نُطْعِمُكم لوجْهِ اللهِ} قال مجاهد: إنهم لم يقولوا ذلك، لكن علمه الله منهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب.
{لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكوراً} جزاء بالفعال، وشكوراً بالمقال وقيل إن هذه الآية نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر، وهم سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد وأبو عبيدة.
{إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عَبوساً قمْطريراً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن العبوس الذي يعبس الوجوه من شره، والقمطرير الشديد، قاله ابن زيد.
الثاني: أن العبوس الضيق، والقمطرير الطويل، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
شديداً عبوساً قمطريراً تخالهُ ** تزول الضحى فيه قرون المناكب.

الثالث: أن العُبوس بالشفتين، والقمطرير بالجبهة والحاجبين، فجعلها من صفات الوجه المتغير من شدائد ذلك اليوم، قاله مجاهد، وأنشد ابن الأعرابي:
يَغْدو على الصّيْدِ يَعودُ مُنكَسِرْ ** ويَقْمَطُّر ساعةً ويكْفَهِرّ.

{فَوَقاهمُ الله شَرَّ ذلك اليومِ ولَقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً} قال الحسن النضرة من الوجوه، والسرور في القلوب.
وفي النضرة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها البياض والنقاء، قاله الضحاك.
الثاني: أنها الحسن والبهاء، قاله ابن جبير.
الثالث: أنها أثر النعمة، قاله ابن زيد.
{وجَزاهم بما صَبروا} يحتمل وجهين:
أحدهما: بما صبروا على طاعة الله.
الثاني: بما صبروا على الوفاء بالنذر.
{جَنَّةً وحريراً} فيه وجهان:
أحدهما: جنة يسكنونها، وحريراً يلبسونه.
الثاني: أن الجنة المأوى، والحرير أبد العيش في الجنة، ومنه لبس الحرير ليلبسون من لذة العيش.
واختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين:
أحدهما: ما حكاه الضحاك عن جابر أنها نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه.
الثاني: ما حكاه عمرو عن الحسن أنها نزلت في علي وفاطمة... رضي الله عنهما- وذلك أن علياً وفاطمة نذرا صوماً فقضياه، وخبزت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير ليفطر علّي على أحدها وتفطر هي على الآخر، ويأكل الحسن والحسين الثالث، فسألها مسكين فتصدقت عليه بأحدها، ثم سألها يتيم فتصدقت عيله بالآخر، ثم سألها أسير فتصدقت عليه بالثالث، وباتوا طاوين.

.تفسير الآيات (13- 22):

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}
{مُتّكِئينَ فيها على الأرائِك} وفيها مع ما قدّمناه من تفسيرها قولان:
أحدهما: أنها الأسرّة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كل ما يتكأ عليه، قاله الزجاج.
{لا يَرَوْنَ فيها شمْساً ولا زَمْهَريراً} أما المراد بالشمس ففيه وجهان:
أحدهما: أنهم في ضياء مستديم لا يحتاجون فيه إلى ضياء، فيكون عدم الشمس مبالغة في وصف الضياء.
الثاني: أنهم لا يرون فيها شمساً فيتأذون بحرها، فيكون عدمها نفياً لأذاها.
وفي الزمهرير ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه البرد الشديد، قال عكرمة لأنهم لا يرون في الجنة حراً ولا برداً.
الثاني: أنه لون في العذاب، قاله ابن مسعود.
الثالث: أنه من هذا الموضع القمر، قاله ثعلب وأنشد:
وليلةٍ ظلامُها قد اعتكَرْ ** قطْعتها والزمهريرُ ما ظَهَرْ

وروي ما زهر، ومعناه أنهم في ضياء مستديم لا ليل فيه ولا نهار، لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر.
{وذُلِّلّتْ قُطوفُها تذْليلاً} فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، قاله قتادة.
الثاني: أنه إذا قام ارتفعت، وإذا قعد نزلت، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها وتخلص من نواها.
{وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا * قواريرَا من فِضّةٍ} أما الأكواب فقد ذكرنا ما هي من جملة الأواني.
وفي قوله تعالى: {قوارير من فضة} وجهان:
أحدهما: أنها من فضة من صفاء القوارير، قاله الشعبي.
الثاني: أنها من قوارير في بياض الفضة، قاله أبو صالح.
وقال ابن عباس: قوارير كل أرض من تربتها، وأرض الجنة الفضة فلذلك كانت قواريرها فضة.
{قَدَّرُوها تقْديراً} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها، قاله الحسن.
الثاني: على قدر ملء الكف، قاله الضحاك.
الثالث: على مقدار لا تزيد فتفيض، ولا تنقص فتغيض، قاله مجاهد.
الرابع: على قدر ريهم وكفايتهم، لأنه ألذ وأشهى، قاله الكلبي.
الخامس: قدرت لهم وقدروا لها سواء، قاله الشعبي.
{ويُسْقَونَ فيها كأساً كان مِزاجُها زَنْجبيلاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تمزج بالزنجبيل، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول، قاله السدي وابن أبي نجيح.
الثاني: أن الزنجبيل اسم للعين التي فيها مزاج شراب الأبرار، قاله مجاهد.
الثالث: أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة، حكاه ابن شجرة، ومنه قول الشاعر:
وكأن طعْمَ الزنجبيلِ به ** اذْ ذُقْتُه وسُلافَةَ الخمْرِ

{عْيناً فيها تُسَمّى سَلْسَبيلاً} فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنه اسم لها، قاله عكرمة.
الثاني: معناه سلْ سبيلاً إليها، قاله علّي رضي الله عنه.
الثالث: يعني سلسلة السبيل، قاله مجاهد.
الرابع: سلسلة يصرفونها حيث شاءوا، قاله قتادة.
الخامس: أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالاً، قاله ابن عباس.
السادس: أنها الحديدة الجري، قاله مجاهد أيضاً، ومنه قول حسان بن ثابت:
يَسْقُون من وَرَدَ البريصَ عليهم ** كأساً تُصَفِّقُ بالرحيق السِّلْسَل

وقال مقاتل: إنما سميت السلسبيل لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم.
{ويَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلّدونَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مخلدون لا يموتون، قاله قتادة.
الثاني: صغار لا يكبرون وشبابٌ لا يهرمون، قاله الضحاك والحسن.
الثالث: أي مُسَوَّرون، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
ومُخَلّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنما ** أعْجازُهنّ أقاوزُ الكُثْبانِ.

{إذا رَأَيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤاً مَنْثوراً} فيه قولان:
أحدها: أنهم مشبهون باللؤلؤ المنثور لكثرتهم، قاله قتادة.
الثاني: لصفاء ألوانهم وحسن منظرهم وهو معنى قول سفيان.
{وإذا رأَيْتَ ثمَّ} يعني الجنة.
{رأَيْتَ نَعيماً} فيه وجهان:
أحدهما: يريد كثرة النعمة.
الثاني: كثرة النعيم.
{ومُلْكاً كبيراً} فيه وجهان:
أحدهما: لسعته وكثرته.
الثاني: لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام.
ويحتمل ثالثاً: أنهم لا يريدون شيئاً إلا قدروا عليه.
{وسقاهم ربُّهم شَراباً طَهوراً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه وصفه بذلك لأنهم لا يبولون منه ولا يُحْدِثون عنه، قاله عطية، قال إبراهيم التميمي: هو عَرَق يفيض من أعضائهم مثل ريح المسك.
الثاني: لأن خمر الجنة طاهرة، وخمر الدنيا نجسة، فلذلك وصفه الله تعالى بالطهور، قاله ابن شجرة.
الثالث: أن أنهار الجنة ليس فيها نجس كما يكون في أنهار الدنيا وأرضها حكاه ابن عيسى.